أسرة مكونة من أربعة أبناء ولدين وبنتين.. الأم مدرسة والأب كذلك مدرس.. أسرة متوسطة الحال مثل آلاف أو ملايين الأسر التي تعيش علي أرض مصر.
القصة تبدأ منذ طفولتنا المبكرة.. فأنا أحد أبناء تلك الاسرة الأربعة. طفولة سعيدة تغدق خلالها الام المتفانية بالحب والحنان علي أولادها وترعي زوجها كما لو كان الابن الخامس.
تدلل الجميع وتحتمل الجميع، فكل ما يهمها هو ان تري السعادة في عيون اولادها جميعا.. وفي سبيل ذلك تبذل ما يفوق طاقة البشر من جهد ووقت وعطاء.
كنا نستيقظ في الصباح لنجد الافطار والسندوتشات الخاصة باليوم الدراسي وملابسنا نظيفة وجميع مستلزماتنا جاهزة ،نذهب الي المدرسة ويعود كل منا ليخلع ملابسه ويلقيها في أي مكان دون اكتراث.. فهناك ماما التي يجب ان ترتب لنا كل شيء.
نجد الغداء جاهزا، ثم نذهب بعده الي الدروس أو الي اللعب .
هذا ما كان يحدث منا جميعا الاولاد والبنات واستمر الحال حتي كبرنا وصرنا شبابا وتخرجنا جميعا في الجامعات.. وكانت تقول دائما نفسي اعيش لغاية ما اشوف اصغر واحد فيكم يوم تخرجه.. فهذا سيكون اهم يوم في حياتي لاني سأشعر انني اديت رسالتي ولو مت سأكون مطمئنة عليكم.. فالشهادة هي السلاح الذي سيجعلكم قادرين علي مواجهة الحياة.
هذا عن حياتنا نحن ..
اما هي فقد كان سيناريو يومها يسير كالآتي: كانت تستيقظ امي مبكرا.. قبلنا جميعا بساعتين وهي الفترة التي تقوم فيها بأعمال عديدة :اعداد الافطار والسندوتشات.. تنظيف المنزل وتوضيب الاسرة التي نتركها بعد استيقاظنا كما هي، كما تعد الاشياء الضرورية في طعام الغداء حتي تبقي اللمسات الاخيرة التي تقوم بها عندما تعود من عملها.
بعد ان ننزل الي مدارسنا كانت ترتدي ملابسها بسرعة وتذهب الي عملها! لم أرها يوم تفطر معنا فهي دائما مسخرة وقتها لنا. تخرج من عملها لتتوجه مباشرة الي السوق والمحلات لتشتري احتياجاتنا، حتي طلباتنا الخاصة والشخصية بعدها تعود مسرعة الي البيت لتكمل طعام الغذاء، وترتب المائدة قبل ان نصل الي البيت عائدين من مدارسنا.
لم تكن تهنأ بطعام فهي تذهب وتجيء اربع أو خمس مرات من وإلي المطبخ لتأتي لنا بما ينقصنا اثناء الطعام.. وبعد الغذاء تقوم * وحدها ودون اي مساعدة من اي منا * بتنظيف الاطباق وادوات المائدة، ورغمه كل هذا العناء لم تكن ابتسامة الرضا تفارق وجهها، فسعادتها كانت دائما ان ترانا سعداء ومرتاحين.
لكننا بكل اسف لم نكن نقابل كل هذا العطاء الا بالتجاهل التام لها، واعتبار كل ما تقوم به واجبا يجب ان تقدمه كل ام لاولادها.
والاكثر من ذلك اننا كنا نتطاول عليها اذا ما حاورتنا بهدوء في امر من امورنا وكان لها رأي يخالف رأينا أو علي العكس من اهوائنا.
كنا مراهقين ثم شبابا مندفعين احيانا فكانت توجه الينا نصائح الام وخبرتها خاصة انها كانت انسانة مثقفة وتربوية، ولديها خبرة لا يستهان بها.
كنا نسفه آراءها، ونرفع اصواتنا في مواجهتها دون تقدير او احترام متهكمين احيانا، ساخرين احيانا.. لا مبالين بها في معظم الاوقات! لم نشتر لها مرة هدية في عيد الام.. وهي في المقابل تتذكر كل مناسباتنا وتهدي الينا اجمل الهدايا!.
وكان طبيعيا * في هذه الحياة القاسية عليها المرفهة بالنسبة لنا ولوالدنا الذي لم يكن هو ايضا يشاركها في اية اعباء * ان تفترسها الامراض تباعا، ضغط الدم المرتفع.. السكر .. القولون العصبي، ومع كل هذا ظلت تعطي وتخفي عنا آلامها، وتلجأ الي التأمين الصحي حتي توفر النقود لنا وتستخسر ان تنفق من مالها حتي علي علاجها!.
كانت تسهر الليالي تنتظرنا انا واخي فكل منا كان يخرج ويأتي في مواعيد متفرقة، وهي لا تطمئن ولا تستطيع ان تنام حتي تجهز لنا جميعا العشاء، فتقوم بهذا علي عدة مرات، لكل واحد علي حدة.
امي * رحمها الله * كانت تقرأ وتحاول ان تعطي لنا القدوة والنصيحة وكنا في المقابل لا مبالين بها، غير مقدرين لعطائها العظيم، وفي يوم من الايام التي لا تنسي استيقظنا في الصباح لنجدها جثة هامدة في سريرها.
انطفأت الشمعة التي كانت تضيء لنا حياتنا، او احترقت اذا اردنا الدقة.
لم تكلفنا عناء في حياتها وحتي لحظة رحيلها عن دنيانا!. ماتت امي ولم نقدم لها اي شيء حتي حبة دواء أو كوب ماء.
ارجوكم * يااولاد * ان تنشرو رسالتي حتي يعرف كل ابن وكل ابنة قيمة الام لاننا عرفنا قيمتها لكن بعد ان ماتت وانهارت حياتنا اكتبو قصتي ليعرف الابناء معني كلمة 'أم'. واغفري لي *يا امي* ارتعاشة القلم في يدي.. فأنا ابيكي منذ بدأت أول كلمة في رسالتي هذه انشروها جميعا كجزء من التكفير عما اقترفنا من ذنب في حق اشرف واعظم الناس.. أمنا