لماذا نصلي؟ إذا حاولنا إيجاد تعريف للصلاة ، نقول أنها تَمتُّع الإنسان بالإقتراب بل بالإحتضان الإلهي ، هي صداقة حميمة ، لذّة هادئة ، و حديث مُتبَادل بين حبيبين.ا
إلهنا ذلك الحبيب الأمين و الصديق المُخلِص ، على كل ما به من عظمة و قُدرة إلا أنه مُحِبّ متواضع ينتظر حبيبه .. صديقه .. إبنه ، بشوق ليسمع حديثه و يشاركه الفرح و الألم ، الراحة و العذاب ، التأكد و الحيرة ، يحب أن يعيش معه كل مشاعره و يظهر حضوره واضحاً أثناء الألم و الحزن ، عندما يتفرق الناس من حول الإنسان ليبقى وحيداً .. فحتى من أَحبّوه قد لا يمكنهم إزالة الهَمّ عن قلبه و فكره .. فيتفرق الجميع و لا يبدو في المشهد أحد سوى الله .. أبانا الحنون.ا
الصلاة هى حالة التواصل مع إرشادنا و نورنا و حياتنا ، فكما أنه لا غنى للمريض عن الدواء و لا الطائرة عن برج المراقبة .. كذلك لا غنى لنا عن الصلاة.ا
الصلاة ليست فرضاً:
بل هى واجب روحي للإنسان نحو نفسه ، فهى ليست فرض يُرضي الله و لا وسيلة لمقايضته على النِعم الزمنية ..
لا يهُم إختيار وضع مُعين لآدائها – على أن يكون الوضع المُختار يساعد على إحترام الحضور الإلهي و التركيز – كذلك لن يكون أدائها الحرفي سبيل إلى النعيم و لا الإمتناع عنها سبيل إلى الجحيم بشكل مُباشر.ا
هل تجد في الصلاة صعوبة؟
يشعر الناس بالملل في أغلب الأحوال من الصلاة ، و هذا ما يجعلهم يبتعدون عنها معتقدين أنها إعتياد لا يفيد و لا يضيف جديداً لحياتهم ، و لكن لماذا الملل؟ا
قد يكون بسبب إعتياد ترديد الصلوات المحفوظة دون وعي.ا
أو عدم الشعور بالحضور الإلهي (عدم القدرة على الحديث إلى الرب و عدم القدرة على تلقي الإرشاد منه)ا
إبدأ معي الآن بخطوات عملية نحو الإستمتاع بالصلاة:
أولاً: قم بتحديد مكان بعيد عن كل المؤثرات الخارجية (إبحث عن مخدع حقيقي حيث لا صوت و لا كائن معك في المكان).ا
ثانياً: إخلِ ذاتك من ضوضاءك الداخلية (أخرج من أي حالة كنت عليها {عمل – دراسة – ترفيه – نوم } و أفرغ أي هَمّ أو حزن عند قدمي الفادي على الصليب و سلّمه بين يديه من أجل الإرتياح و بدأ اللقاء المُريح للقلب).ا
ثالثاً: إبدأ حالة حوار و ليس تسميع (لا يُشترط أن تبدأ الصلاة بالقراءات و الصلوات المحفوظة ، الأفضل أن تكون الصلاة بادئة بالترنيم إن أمكن أو الدخول مباشرةً في حالة حوار حقيقي واعي و صادق مع حبيبك و إلهك – ليس معنى ذلك أن الصلوات المحفوظة ناقصة أو معيبة ، لكنها لا بد أن تقرأ بوعي و بروح الصلاة و إلا فقدت معناها).
رابعاً: تحاور مع إلهك في كل شئ في كل ما يخطر ببالك .. سَبِّح .. أشكر .. أطلب المغفرة .. تحدث عن كل إهتماماتك الروحية .. إدخل في لذة المناجاة معه .. إسترح فيه .. قدِّم آلالامك .. عَبِّر عن حبك .. عَبِّر عن ثقتك ... تعزّى و إستسلم لشفاء يديه .. قَدِّم مشيئته على مشيئتك و ثق في أن مشيئته هى الأصلح من أجلك دائماً .. اطلب الإستماع لصوته و مشيئته من خلال كل ما حولك في حياتك.ا
خامساً: أطلب الكلمة الإلهية و المشورة من الكتاب المقدس .. قدِّس روحك و أنظر للحياة من خلاله نظرة أشمل و أوسع من متاعبك الشخصية، تجد فيه التعزية و حكمة الأيام ، و راحة الفكر.ا
لاحظ: قد تشتاق لكتابة خواطرك الروحية فلا تمنع ذلك أو تستهين به ، لأنها خبرة روحية تعطي ثراءً و ارتياح ، إذ يُصبح التدوين و كأنه دفتر أحوالك مع الله { مناجاتك له و تجاربك السابقة معه و كيف إنتهت} – أعني إنجيلك الشخصي.ا
لماذا كل هذا الإهتمام؟
الحق أن اللذة الروحية التي تُحدثها الصلاة تستحق مِنّا كل إهتمام و كل محاولة للسعي نحوها .. نحن قد نكون بحُكم الضعف مُدَرَّبين بالطبيعة على الإستمتاع باللذة الجسدية لأنها الأيسر و الأقرب لحواسنا ، و لأن صوت العالم المُنادي بها عالي و كثير الصياح و الصراخ لِلَفت النظر .. أما التَلَذُّذ الروحي هو مفهوم غريب بعض الشئ عن حياتنا و لأنه تَلَذُّذ هادئ و لا يُجيد المُنادون به فن الدعايا ، لذلك فهو كنزٌ مُهمل لا يجده و يعرف قيمته إلا القليل منّا (فرحٌ لا يُنطق به و مجيد).ا
لماذا المواظبة على الصلاة؟
التواصل و المواظبة على الصلاة يومياً يخلق العِشرة مع الرب ، و العِشرة معرفة و المعرفة ثقةٌ و ثبات في كل وقت ، و هى التى تعطي قيمة للصلاة لأننا نعلم مع من نتحدث و نثق به كامل الثقة. بعكس اللجوء للصلاة و بداية ممارستها أثناء أوقات الإنتظارات الزمنية و المخاوف الطارئة ، لأن المُصلّي وقتها لا يتحدث مع شخص لديه معرفة به ، لأنه لم يتواصل معه منذ زمن طويل .. لم يُلامس محبته الإلهية في أوقات خَلَت من كل رغبة سوى الإستمتاع الروحي ، لذلك فهو يجد صعوبة في استقبال التعزية وقت الحزن أو الثقة بالوعود وقت الإنتظار أو الإطمئنان وقت الخطر .....
أناشدك إن لم تكن قد إختبرت لذة الصلاة من قبل فلتُجرِّب ..
و إن كنت قد إنقطعت عن هذه اللذة بعد تجربتها فلتعود إليها..
إختبرها الآن و صلّي من أجل إنتشارها