يسوع والعالم
لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لِأُرْسِيَ سَلاَماً عَلَى الأَرْضِ. مَا جِئْتُ لِأُرْسِيَ سَلاَماً، بَلْ سَيْفاً. فَإِنِّي جِئْتُ لأَجْعَلَ الإِنْسَانَ عَلَى خِلاَفٍ مَعَ أَبِيهِ، وَالْبِنْتَ مَعَ أُمِّهَا، وَالْكَنَّةَ مَعَ حَمَاتِهَا. وَهَكَذَا يَصِيرُ أَعْدَاءَ الإِنْسَانِ أَهْلُ بَيْتِهِ. مَنْ أَحَبَّ أَبَاهُ أَوْ أُمَّهُ أَكْثَرَ مِنِّي، فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي. وَمَنْ أَحَبَّ ابْنَهُ أَوِ ابْنَتَهُ أَكْثَرَ مِنِّي، فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي. وَمَنْ لاَ يَحْمِلْ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعْنِي، فَهُوَ لاَ يَسْتَحِقُّنِي. مَنْ يَتَمَسَّكْ بِحَيَاتِهِ، يَخْسَرْهَا؛ وَمَنْ يَخْسَرْ حَيَاتَهُ مِنْ أَجْلِي، فَإِنَّهُ يَرْبَحُهَا. مَنْ يَقْبَلْكُمْ، يَقْبَلْنِي؛ وَمَنْ يَقْبَلْنِي، يَقْبَلِ الَّذِي أَرْسَلَنِي. مَنْ يُرَحِّبْ بِنَبِيٍّ لِكَوْنِهِ نَبِيّاً، فَإِنَّهُ يَنَالُ مُكَافَأَةَ نَبِيٍّ؛ وَمَنْ يُرَحِّبْ بِرَجُلٍ بَارٍّ لِكَوْنِهِ بَارّاً، فَإِنَّهُ يَنَالُ مُكَافَأَةَ بَارٍّ. وَأَيُّ مَنْ سَقَى وَاحِداً مِنْ هَؤُلاَءِ الصِّغَارِ وَلَوْ كَأْسَ مَاءٍ بَارِدٍ، فَقَطْ لأَنَّهُ تِلْمِيذٌ لِي، فَالْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مُكَافَأَتَهُ لَنْ تَضِيعَ أَبَداً". 1- اتباع الرب يستلزم قرارا .
لم يأت الرب يسوع لينشر السلام الذي يغطي كل الاختلافات العميقة من أجل الوفاق السطحي، فلابد أن ينشب الصراع، وتثور الخلافات بين من يريدون أن يتبعوا المسيح، والذين لا يريدون (انظر إش 9: 6 ؛ مت 5: 9 ؛ يو 14: 27)، ولكننا نستطيع أن نتطلع إلى اليوم الذي فيه سينتهي كل صراع.
قد يفرق الالتزام المسيحي بين الأصدقاء والأحباء. ولم يكن الرب يسوع، في قوله هذا، يشجع عصيان الوالدين، أو الصراع في البيت، بل بالحري أراد أن يبين أن وجوده يستلزم قرارا، وحيث إن البعض سيتبعونه، والبعض الآخر لن يتبعوه، فلابد أن ينشب الصراع. فحالما نحمل صليبنا ونتبعه، فإن قيمنا وأخلاقياتنا وأهدافنا وغاياتنا المختلفة، لابد أن تفصلنا عن الآخرين. يجب ألا تهمل عائلتك، كما يجب ألا تهمل دعوتك إذ يجب أن يكون لله الأولوية المطلقة في حياتك.
يدعونا المسيح إلى رسالة أسمى من الحصول على الراحة والهدوء في هذه الحياة، فمحبة العائلة وصية من وصايا الله، ولكن هذه المحبة يمكن أن تكون لخدمة الذات، ومبررا لعدم خدمة الله أو إنجاز عمله.
لكي نحمل صليبنا ونتبع المسيح، يلزم أن نطرح عنا كل الهموم والأولويات الأخرى، فعندئذ فقط نبدأ في تحقيق التزامنا للمسيح. يجب أن نسلم تماما لله (10: 39) في استعداد كامل لمواجهة أي شيء ولو كان الألم والموت من أجله.
2- عدم التمسك بالأطماع الارضية .
تعرض هذه الآية نفس الحقيقة من وجهيها السلبي والإيجابي، فالتمسك بهذه الحياة يمكن أن يجعلنا نخسر المسيح في هذا العالم والعالم الآتي. وكلما زادت محبتنا لما تمنحه هذه الحياة (اللهو، السلطة، الشهرة، الأمن المالي)، اكتشفنا أنها أشياء لا قيمة لها في الحقيقة، لذلك فأفضل طريق للاستمتاع بالحياة، هي أن لا نتمسك بالأطماع الأرضية، وهذا يحررنا فنستطيع أن نتبع المسيح (مت 16: 25). وإن فعلنا ذلك، نرث حياة أبدية ونشرع في الاستمتاع ببركات اتباعه.
3- محبتنا لله مدى معاملتنا للآخرين .
تقاس محبتنا لله بكيفية معاملتنا للآخرين. والمثل الذي ذكره الرب يسوع عن إعطاء كأس ماء بارد لأحد الصغار العطاش، هو مثال طيب للخدمة الخالية من الأنانية، فالطفل الصغير لا يمكنه عادة، أو لا يريد، أن يرد الجميل، ولكن الله يلاحظ كل عمل صالح نعمله أو لا نعمله، كما لو كان هذا العمل موجها له هو. فهل هناك شيء، تستطيع أن تقوم به بلا أنانية من أجل شخص آخر اليوم؟ حتى وإن كان لا يراك أحد، فلن يذهب عملك هذا سدى، فلابد أن يراه الله.
الرب يبارككم.