مرثاة لثلاث عشرة سنة من الغربة
المرثية الأولى
[]عندما تزحف ظلال المساء،
تمتد، لتملأ كل مكان،
تغوص في خضم من المتاهات،
تزداد تجهما ووحدة،
حيرة وحسرة في قسوة الليل البهيم،
تتقبل دور التضحية دون مقاومة،
لا تجد موطئ لقدميكَ،
تتغرب في الأرض، هربا من الحياة،
في كل الأرض،
لأنّكَ لم تربح المعركة،
إذ تشعر بشيء غريب لا تسنطيع أنْ تفسره،
تتبدل رؤيتكَ للأشياء،
حينما تكون في وسط الحياة، فإنّكَ في الموت،
بين ماض ومستقبل لا ترى منه شيئا،
تقف وجه لوجه أمام أحجية محيرة،
قد استبدت بك فكرة بلهاء
أشبه ببئر عميقة في قعرها طبقة كثيفة من الرمل،
لا ترى إلا الجانب الذي تخاف منه،
مثل النسر الذي تحطمت مخالبه وانكسر منقاره
تشعر بشعور من يريد أنْ يحرق منزله
أأو يريد أنْ يقفز من النافذة،
أأو من ينزع أوراق ال
ويتمدد على شوكها،
أما أنْ تفضل رقصة الموت،
فالحرية لا يمكن أنْ تدرك بمواجهة الموت.
فالذي لا يميز ليس إلا ميتا،
إنّه ميت من زمان،
يقبل الحياة على علاتها
اللغلطة التي يتنصل منها كل إنسان،
مثل من يستخدم أنفه أكثر من عقله،
مثل حشرة تحبو على سطح الأرض،
أو تعيش حياة الآخرين،
تجاري الغوغاء الذين يصرخون
كما تعتاد الصفادع على مياه البرك
لتنطلق إلى قلب الأشياء،
تقضي على كل ميل في نفسكَ،
يدحر الحياة ويجردها من قيمتها،
يعيش سنوات حياته دون أيّ اتجاه،
ليس لديه ما يشغل ذهنه،
يشعر بأنّ الانحدار لا مفر منه،
حينما لا يتوفر لديه شيء من قوة الإرادة،
يسلخ جلده، ويكيف نفسه مثلهم، يتقمص أشخاص قصص
أو أبطال التاريخ،
يحملق بكسل وتراخ
لا يكترث لما يحدث حوله،
لا يحرك شيئا من جسمه غير عينيه السوداوين
كلما استيقظ وجد نفسه إنسانا آخر مختلفا،
دون أنْ يثير ذلك في نفسه شيئا من الانفعال،
أو يلقي بكل الاعتبارات جانبا،
ليصبح مثل عصفور منفرد على السطح،
إذ يشعر بانهيار جميع الحدود التي تقوم بينه وبين الناس
لأنّ هدفه يختلف كثيرا عن أهدافهم،
تبتر حريته من جذورها،
وتهدم الدنيا على الجميع
يحتمل الاضطاد الذي ينصب عليه،
عندما تمتد ظلال المساء،
تبدأ الصعوبات،
تغوص في خضم من المتاهات،
تزداد تجهما ووحدة،
وينقطع حبل المسرة،
لا تعرف سببا يعلل ما حدث،
تتقبل دور التضحية دون مقاومة،
فتحفر قبرا هربا من نفسكَ،
لأنّ هدفكَ يختلف عن هدف الآخرين،
لا تجد موطئ لقدميكَ،
تتغرب في الأرض،
لأنّكَ لم تربح المعركة،
إذ تشعر بشيء غريب لا تسنطيع أنْ تفسره،
تتبدل رؤيتكَ للأشياء،
تنتقل شرقا وغربا،
تحارب لكسب ايّ شيء من هذه الأرض.
صبري يوسف