رسالهـ إلى كُلـ منـ كُتب عليه ألمـ الإغتراب !!؟

ليس هُناكـ أقسى من أن يعيش الإنسان متُغرباً عن وطنهـ الأمـ , وليس هُناكـ أقسى من ان يعيش أيضاً غريباً في وطنهـ الذي أختارهـ للإغتراب فيهـ ...





وفي أرض الغُربة يعيش وحيداً لا اهل لهـ فيها يُبعدون عنهـ شبح وحدتهـ , ولا أنيس يؤنس وحشتهـ , ولا صديقاً يبث إليهـ أحزانهـ وهمومهـ ...






وفي أرض الغربة كُتب عليهـ أن يذهب ضحية لوطنهـ الذي لفظهـ من احشائهـ , وأهلهـ الذين نبذوهـ من بينهمـ وجعلوهـ يُفارقهمـ ليكون كبش فداء يتمـ ذبحهـ في كُل ساعة يقضيها في أرض الغُربة بعيداً عن من يُحب ...







بلادي وإن جارت عليّ عزيزةٌ

وأهلي وإن ظنّوا عليّ كرامُ







نعمـ إن الأوطان تجور وتظلمـ أبناءها حتى يصبح البعض منهمـ يتامى , قد يفهمـ البعض بأن اليتيمـ هو يتيمـ الأب والأمـ فقط ...






إن هُناكـ يُتمـ الأوطان , فالأوطان عندما يحكمها قادة وزعماء قُساة , فإن البلاد تصير إلى الخراب , بعد أن يصبح الأمن غير مُستتب رغمـ وجود العسكر , والإقتصاد يغدو في حالة ركود وكساد بحيث ينتشر الفقر فيضطر أبناء الوطن لُمغادرة الوطن الأمـ من أجل تحسين الأوضاع المعيشية التي ساءت في وطنهم، بسبب سياسة القيادة العقيمة رعاها الله التي أوصلت البلاد والعباد إلى حالة تدعو للشفقة والرأفة والرحمة ...







ونحن هُنا في أرض الغربة أصبحنا يتامى لا نستطيع أن نعود إلى أرض الوطن بُخفي حنين , والغربة تسرق وتنهب اجمل أيامـ حياتنا إنهـ ربيع العُمر وزخرتهـ ...






وبقدر مايكتسب البعض من أرض الغربة من مال , إلا أن الصقيع ينتشر في داخلنا حتى يُحيل أرضنا إلى صحراء قاحلة غير صالحة للحياة ...






وبعد أن تقومـ الغربة بمنحنا بعض المال الذي نأخذهـ بعرق جبيننا وكدنا وكدحنا , إلا أنها أيضاً تمنحنا تلكـ الخطوط التي تتزين بها وجوهـ الكثير من البشر الذين تغربوا عن اوطانهمـ ...






إنها خطوط وأخاديد الزمن التي رسمتها على وجوهنا عوامل التعرية والزحف والشيخوخة , ولمـ يدركـ البعض بأنهـ اصبح عجوزاً إلا بعد أن ينظر نظرة تأملية في تقاطيع وجههـ في مرآة الزمن التي لمـ نقف أمامها إلا بعد أن فات الأوان ...








ياهـ ... ياهـ ...








بل آهـ ... آهـ .... ثمـ آهـ ...







لقد ذهب العُمر ونحن لمـ نلتقي بمن أحببنا , لقد ذهب الربيع وحل مكانهـ الخريف بعد أن تساقطت سنوات حياتنا في أرض الغربة وجاء بعدها شتاءاً بارداً قاسياً وصقيعاً أحال داخلنا إلى كتلة من الثلج التي لاتذوب حتى في أقصى درجات الحرارة إرتفاعاً ...







كُلما جلست مع نفسي واتأمل حال الكثير ممن سبقوني والذين سرقت الغربة ربيع عُمرهمـ ولمـ يستفيد البعض منهمـ شيئاً بعكس البعض الذين أجتهدوا فكسبوا لهمـ من المال اليسير ...






رأيت البعض يقومـ بتوريث الغربة لأبناءهـ وأقاربهـ , فتراهـ يشتري لهمـ تأشيرات للقدومـ إلى أرض الغربة من أجل أن يجنون لهمـ من شجرة الغربة مالاً يُعيلون بهـ عائلاتهمـ ...






أليس من الجميل أن نقومـ بإدخال أبناءنا المدارس والجامعات وما دمنا كبش فداء في ارض الغربة فيجب أن نصرف عليهمـ حتى يتعلمون ويحصلون على الشهادات وبها يحصلون على وظيفة تليق بهمـ وتنتشلهمـ من شبح الفقر , بدلاً من جلبهمـ ككباش فداء إلى أرض الغربة ...







كُلما فكرت أن أقومـ بتطليق الغربة طلقات ثلاث لارجعة فيها , تظهر لي عوائق وعراقيل تنسف تلكـ الفكرة من رأسي بتاتاً ...






وما تلكـ العراقيل والعوائق إلا إلتزامات تظهر لنا على السطح وتُجبرنا على أن نبقى هُنا في أرض الغربة كي نقومـ بسداد تلكـ الإلتزامات والتي قد لانكون نحن سبباً فيها , ولكن البعض هو من كان سبباً في خلق تلكـ الإلتزامات التي يكون ثمن سدادها هو أجمل أيامـ حياتنا ...








قد يأتي بعض الإخوان الصغار فيقول لكـ :-






إنني أريد تأشيرة عمل للدخول إلى أرض الغربة من أجل أن نطلب الرزق , ومثلما زملائي ذهبوا إلى أرض الغربة بعد أن قامـ أقاربهمـ بشراء تأشيرات عملٍ لهمـ ...







هُنا تحدث الطامة الكبرى , فكيف تشكو آلامـ الغربة وتسرق أجمل أيامـ حياتكـ , وياتي أخيكـ فيقول لكـ :-






إنني أريد أن أكون مثلكـ ومثل فُلان وعلان الذي كان لهمـ نصيباً من الحظ في أرض الغربة ...






هُنا تقف حائراً باكياً مابين العذاب الذي تعيشهـ أنت هُنا في جحيمـ الغربة , وبين رغبات أخيكـ التي يتمنى أن تقومـ بتحقيقها لهـ ...






تقول لهـ :-






بأن عليكـ أن تقومـ بإكمال دراستكـ ولاتهتمـ من أي مصاريف تحتاجها أثناء مسيرتكـ التعليمية , فتراهـ إن تقبل منكـ الوضع فإنهـ سيدرس ولكن النفس ليست راضية ومقتنعة بما تقومـ بهـ ...







إن قُلت لهـ :- نعمـ , فقد ظلمتهـ وأرتكبت جُرماً لايُغتفر في حقهـ لأن المؤمن من أحب لأخيهـ ما يُحبهـ لنفسهـ ...







وإن قلت لهـ :- لا , فقد يقول عنكـ بأنكـ تكرههـ ولاتُريد لهـ الخير وأنكـ أناني وغيرها من الصفات التي قد يقولها عنكـ في سرهـ ...







يا إلهي ... ماهذا الذي يحصل ؟؟؟







إن الغُربة ألمـ وقطعة من العذاب , ولكن لن يعرفها على حقيقتها إلا من عاشها حقيقة وفهمها , عندها سيعرف بان الغربة ليست في ذلكـ الثوب الذي يلبسهـ الكثير , وليست في ذلكـ المال الذي ينفقهـ البعض ببذخ , وليس تلكـ السيارة التي يركبها فقد تكون لهـ وقد تكون إعارة من شخص آخر ...






يقول جبران خليل جبران :-







نحن ندنو منكـم كالأصدقاء وأنتمـ تهاجموننا كالأعداء , وبين الصداقة والعداوة هوة عميقة مملوءة بالدموع والدماء ...






نحن نبني لكم القصور , وانتمـ تحفرون لنا القبور , وبين جمال القصر وظلمة القبر تسير الإنسانية بأقدامٍ من حديد ...






فهكذا يفعل من تغرب عن وطنهـ لأهلهـ , وهكذا يفعل الأهل بفلذة كبدهمـ ...






ويقول جبران أيضاً :-






أنا غريب في هذا العالمـ ...






أنا غريبٌ وفي الغربة وحدةٌ قاسية ووحشةٌ موجعة غير أنها تجعلني أفكّر أبداً بوطنٍ سحري لا أعرفهـ , وتملأ أحلامي بأشباح أرضٍ قصيةٍ ما راتها عيني ...






أنا غريب عن أهلي وخلاني , فإذا ما لقيت واحداً منهمـ أقول في ذاتي :-





من هذا , وكيف عرفتهـ , وأي ناموسٍ يجمعني بهـ , ولماذا أقترب منهـ واجالسهـ ..؟؟؟






فهل عرفتمـ بأننا غُرباء حتى عن أقرب الناس لنا ....

منقوووووووووووووووووول